وزارة التربية تأكل أولادها
اسم الكاتب : موسى إبراهيم أبو رياش
mosa2x@yahoo.com ما انفك وزير التربية والتعليم يبرر رفضه قيام نقابة للمعلمين، بحجج متهالكة تتهاوى تحت مطارق المنطق والعقلانية، وكم أشعر بالأسف أن يتفوه معاليه بهذه التبريرات، وهو رجل الفكر والعلم والمنطق السليم الذي نحترم ونقدر يوم كنا نستمع إليه ضيفاً ومتحدثاً على شاشة التلفزيون الأردني قبل أن يدخل نادي الوزراء.
عندما يتخوف معاليه من إضراب المعلمين أو اعتصامهم، فهو يذكرني بالمثل (اللي على راسه بطحة بيحسس عليها) وكأن معاليه يعترف وبالفم الملآن أن المعلم مظلوم ومقهور وحقه مبخوس، ولذا عندما تكون له نقابة سيلجأ إلى الإضراب والاعتصام لاسترداد حقوقه المهضومة، وإلا لو كانت الوزارة كما يدعي تقوم بواجبها ولن تقدم النقابة شيئاً جديداً للمعلم، فلم سيلجأ المعلم إلى الاعتصام أو الإضراب؟
ومن المؤلم أن يبرر رفضه للنقابة لأن المعلم "ينبغي أن يكون ولاؤه أولا وأخيرا للدولة وليس لأي جهة أخرى"، وهذا تصريح خطير يتضمن تشكيكاً بولاء المعلم ووطنيته وانتماؤه لهذا الوطن، وكأن المعلم بمطالبته بنقابة يبحث عن ولاء جديد، وليكن في علم معاليه أن المعلم هو أكثر الموظفين انتماءً ووطنية وولاءً، وهو الذي يعلم طلبته ويربيهم ويزرع فيهم هذه القيم النبيلة ومثيلاتها، وأي تشكيك في ولائه ودوره الوطني هو حكم على الوزارة وأهدافها ورسالتها بالفشل، وعضوية النقابة لا تعني استبدال ولاء بولاء، بل هي تعمق الانتماء والولاء لهذا الوطن، فالنقابة جزء من الوطن وليست طابوراً خامساً. وأذكر معاليه أن المعلم وحده من موظفي الدولة من يقف يومياً لتحية العلم وينشد النشيد الوطني والسلام الملكي في حين أن معاليه لا يفعل ذلك إلا في المناسبات، إن هذا القول يحتاج إلى أن يعتذر معاليه للمعلمين على هذا التشكيك المرفوض جملة وتفصيلاً. كما أنه غمز بولاء النقابات الأخرى ووطنيتها.
ويقول معاليه "أن النقابات في معظم دول العالم تنشأ وفقا لتكتلات حزبية وتشكيلات سياسية ذات مواقف وتوجهات معينة"، ولا أدري ما العيب في ذلك؟ فليكن للنقابة ما شاءت من توجهات سياسية، ما دامت تمثل أحزاباً تعمل تحت مظلة القانون، وتقدم خدماتها وتقوم بواجبها خير قيام، فالسياسة توجه فكري، والنقابة عمل تنظيمي خدماتي، إلا إذا كان العمل السياسي يرعبكم ويخيفكم، وهذا يتعارض مع دعوة قائد البلاد الملك عبدالله الثاني ابن الحسين للجميع بمن فيهم طلبة الجامعات للانخراط والمشاركة في العمل السياسي، وإذا كانت السياسة عيباً أو جريمة فما وظيفة وزارة التنمية السياسية؟!
ويتعلل معالي الوزير بقرار "المجلس العالي لتفسير الدستور الذي قرر بدوره عدم جواز إنشاء النقابة" عام 1994، ونذكر معاليه أن كل القوانين في العالم عرضة للتعديل بل والنسف الكامل، وكذلك الدساتير التي تعدل بين الحين والآخر لتحقيق مصلحة أو منفعة للمواطنين، والمجلس العالي لتفسير الدستور ليس معصوماً، ولا يعتبر قراره قاطعاً لا رجعة عنه، فكل شيء قابل للتعديل والتغير، ولا يتغير ولا يتبدل إلا هو سبحانه وتعالى. ثم إن النقابة كانت موجودة حتى عام 1957 ، فهل كانت دستورية قبل ذلك، وأصبحت غير دستورية بعد ذلك، مع أن الدستور هو هو لم يتغير!!
ويتباكى معاليه على الطلبة "الذين سيكونون ضحية العمل النقابي"، وتباكيه لا محل له من الإعراب، فالمعلمون أحرص الناس على طلبتهم، ولا يريدون من معاليه أن يذكرهم بواجبهم، فهم يؤدونه رغم الظروف الصعبة، والأحوال السيئة، ويضحون براحتهم من أجل طلبتهم، ولا يحتاجون من يزاود عليهم.
ويبشر معاليه " أن الوزارة تعمل الآن على تنفيذ المرحلة الثانية من مشروع التطوير التربوي نحو الاقتصاد المعرفي الذي يركز في كثير من محاوره على كيفية النهوض بمستوى المعلم المهني وتامين حياة حرة كريمة له"، ولا أظن الوزير يقصد ما يقول فالمرحلة الثانية تشمل خمسة مكونات أساسية هي التطوير المبني على المدرسة، والتخطيط الاستراتيجي وإعادة الهيكلية التنظيمية، وعملية التعلم والتعليم، والبرامج الخاصة التي تشمل برنامج التربية الخاصة والتعليم المهني ورياض الأطفال، والأبنية المدرسية، ولا يوجد فيها أي مكون لتأمين حياة كريمة للمعلم.
ويأبى الوزير إلا أن يستعدي المعلمين إذ استغرب معاليه " في تصريح نشر الأحد في صحيفة العرب اليوم إهمال المعلمين لمظهرهم الذي يشكل عنوان كل شخص ، داعياً المعلمين إلى"حلاقة ذقونهم" والاهتمام ب "ملابسهم" بدلاً من التذمر والمطالبة بإنشاء النقابة." وهذا منتهى الإهانة والاستخفاف بالمعلمين، ويشكل ضربة قاضية لكل الأدبيات التربوية التي يفترض أن يتحلى بها الوزير، وإذا كان معاليه مهتم جداً بهيئة المعلمين فليصرف لكل معلم مشطاً ومرآة وماكينة حلاقة، أو فليفتح في كل مدرسة صالون حلاقة مجاني للمعلمين. إن مبدأ التعميم مرفوض جداً، ويتعارض مع أخلاقيات المهنة وأدبياتها، وإذا كان هناك قلة من المعلمين تهمل مظهرها فسأل لماذا؟ وما الأسباب؟ ناهيك أن المعلمين يعملون في ظروف صعبة وبعضهم يمشي مسافات طويلة، فلا أظن أن تمشيط شعره من الأولويات التي لا يمكن القفز عنها وتجاوزها.
إن تصريح الوزير آنف الذكر رغم تنصله منه بعد ذلك، لا يعفيه من المسؤولية الأخلاقية والأدبية والمهنية، لأنه أهان كل المعلمين دون استثناء، وعليه أن يعتذر بصريح العبارة، ويعترف بما اقترف لسانه بحق المعلمين.
أما اعتصامات السبت وإغلاق أبواب أندية المعلمين في وجه المعلمين، فقد تواترت الأخبار أن هناك تعليمات من الوزارة بضرورة إشغال طلبة الكشافة والمرشدات لأندية المعلمين في جميع المحافظات كل أيام السبت وحتى إشعار آخر، وعدم السماح للمعلمين بدخولها. وهذا لعمر الحق كارثة تربوية لا تليق بأي وزارة ناهيك عن وزارة التربية، فكيف يغمض لمعاليه جفن أو يرتاح له ضمير وهو يضع الطلبة في مواجهة معلميهم، بل ويضع بعض المعلمين في مواجهة اخوتهم وزملاءهم، وكيف نسمح للطلبة بدخول النادي، ونحرم المعلمين من ذلك، مع أن النادي للمعلمين ولهم الأولوية وليس للطلبة، وكيف يترك المعلمين في العراء تحت أشعة الشمس الحارقة أو تحت رحمة الظروف الجوية، وبيتهم مغلق في وجوههم، ويمنعهم من شربة ماء أو استخدام الوحدات الصحية، وكيف ستكون نظرة الطلبة لمعلميهم، وهم يتمتعون بالنادي ويحرم منه معلموهم؟ يا معالي الوزير والله لو رأينا خصماً وعدواً يعاني ما سمحت لنا أنفسنا أن نصمت ونتعامى، بل نتدخل لمساعدته ومد يد العون له، فكيف يهون عليك المعلمين إلى هذه الدرجة، وأنت وزيرهم والمؤتمن عليهم والمفترض أن تقف في صفهم وتطالب بإنصافهم. وهمسة في أذنك معاليك: أنت -كما أعلم- لست عضواً في نادي المعلمين، فبأي حق تمنع المعلمين من دخول ناديهم؟
ثم إن النقابة يا معاليك ستكون عوناً للوزارة، وتتحمل عنها عبئاً كبيراً، وتقوم بدور لا تستطيع الوزارة أن تقوم به، وستخف إلى حد كبير شكاوى ومظالم المعلمين، وستعمل على تنظيم المهنة وتطويرها ووضع معايير خاصة بها، وقد تضع شروطاً لمن ينتسب إليها، ليكون كل عضو فيها على سوية وكفاءة عالية.
يا معالي الوزير ... ما زال في الوقت متسع ... والتراجع عن الخطأ فضيلة ... فافتح ذراعيك للمعلمين ... وخذهم بأحضانك ... ولا تتنكر لماضيك ولفكرك ... وافتح لهم ناديهم وبيتهم ... واسمع لأناتهم وحسراتهم ... وأعلم أن النقابة قادمة لا محالة ... كأننا نراها رأي العين ... فإرادة المعلمين أصلب مما تتصور ... فهؤلاء الذين عضوا على جراحهم ... وتحملوا كل الصعاب والمشاق في سبيل تأدية واجبهم في البادية والصحراء وعلى رؤوس الجبال وفي الأودية والقيعان ... لن تنكسر شوكتهم لمجرد باب أغلق ... فإن أغلق باب ... فهناك ألف باب ... وسيكتب التاريخ بأحرف من نور كل من ساعد على قيام النقابة ... فهل تكون منهم ؟!
mosa2x@yahoo.com