الربيع الأردني
د فيصل الغويين/ الجامعة الأردنية/العقبة
من المؤكد أن عام 2011 هو عام استثنائي وتأسيسي في التاريخ العربي المعاصر، نظرا إلى أن أحداثه لا تتكرر كثيرا في التاريخ، وتحدث مرة واحدة في العمر، أو مرة واحدة في كل جيل، وتحولات هذا العام من العمق بحيث أنها ألغت ما قبلها من مؤسسات وشخصيات ونهج تفكير، وهو عام صعب اوجد حالة نفسية وفكرية عربية جديدة بعد أن تحررت قوى التغيير التي قمعت طويلا من الخوف.
وعلى المستوى الوطني الأردني كان هذا العام كذلك استثنائيا وتأسيسيا؛ فقد اجتاحت الأردن رياح التغيير والربيع الوطني للمطالبة بإصلاحات سياسية واقتصادية واجتماعية حقيقية وشاملة. وقد تميز الحراك الوطني بالزخم الشعبي والنخبوي من خلال المشاركة المتواصلة والاحتجاجات والتظاهرات، كما تميز هذا الحراك بالاستقلال النسبي وبأنه ليس رهينة لأية تيارات سياسية، كما افرز قوى وقيادات جديدة، خاصة وانه انطلق أساسا من الأطراف الاكثر تهميشا وتضررا من غياب الاصلاح وليس من العاصمة والمدن الكبرى، وهو ما اعتبر إضافة نوعية للمشهد السياسي والشعبي.
ويمكن الجزم انه من غير المتوقع والممكن القفز على حالة النضوج الفكري والسياسي التي تميز بها الحراك الوطني الشعبي والحزبي, والذي بدا بالفعل تعبيرا عن حالة تعبر عن حاجة أجيال جديدة الى التغيير. وقد فشلت محاولات بعض الجهات وقوى الشد العكسي الرسمية والاجتماعية في إيجاد الانقسامات وتأجيج التناقضات السياسية والفكرية والمناطقية بين مكونات هذا الحراك، من خلال التأكيد على وحدة المطالب والأهداف بغض النظر عن المكونات.
وبالرغم من ذلك يبدو ان الحالة الأردنية تتمايز عن ثورات الإصلاح العربية ليس في المضمون الذي يكاد أن يكون واحدا لدى كافة الحركات الاحتجاجات التي شهدتها معظم الدول العربية. والتمايز هنا هو في طبيعة تعامل النظام السياسي مع مطالب المحتجين وانتهاجه أسلوب المبادرة بالإصلاح، حيث عمل النظام على احتواء حالة الغضب الشعبي عبر المبادرة الى إجراء حوارات مؤطرة للإشكاليات التي تمثل نقاط تماس بين المواطنين والنظام السياسي، ويأتي في مقدمتها تشكيل هيئة الحوار الوطني التي أنتجت مقترحات توافقية أولية لبناء حياة سياسية على أسس جديدة وخاصة ما يتعلق منها بقانوني الانتخاب والأحزاب السياسية، وهي قوانين الإصلاح السياسي المركزية، إضافة الى حزمة التعديلات الدستورية التي أقرت وأصبحت سارية االمفعول لتؤطر لدولة مؤسسات فعلية ستفضي في المحصلة الى قيام ملكية برلمانية.
وحتى تتحقق الأهداف المرجوة من هذا الحراك تبرز العديد من المهام والضرورات وفي مقدمتها:
1- توافق القوى السياسية والشعبية وإيمانها بالديمقراطية قولا وفعلا، واعتدال خطابها السياسي تجاه الآخر، وانفتاحها على كافة القوى، ثم التكتل من اجل توسيع قاعدة من يرون في الديمقراطية مصلحة لهم، كنظام سياسي، وكآلية سلمية لحل الخلافات، والتداول الديمقراطي البرامجي على السلطة.
2- ان يرتقي الكتاب والمفكرون والإعلاميون الى مستوى فهم اللحظة التاريخية، والتخلي عن المصالح الشخصية في سبيل إعلاء المصلحة الجامعة، فلسنا بحاجة الى مناظرات لا تظهر إلا المختلف بين التيارات السياسية والقوى الاجتماعية.
3- الضغط باتجاه إصدار قانون انتخابي يأخذ بنظام القائمة النسبية على مستوى المحافظة وعلى مستوى الوطن، وهو نظام يعتمد على تمثيل التيارات السياسية المختلفة في كل دائرة بنسبة عدد الأصوات التي حصلت عليها، ويمكن للمستقلين الاتفاق على تشكيل قائمة، والحزب أو القائمة المستقلة التي تحصل على 50% من الأصوات تحصل على 50% من مقاعد الدائرة، وكذلك الحال بالنسبة للقوائم النسبية على مستوى الوطن. وهنا يجب إلغاء ما يسمى بكوتا المرأة لأنها ستمثل بشكل طبيعي وبنص قانوني في القوائم النسبية المختلفة.
ومن مزايا هذا النظام انه يشجع على اختفاء ظاهرة نائب الخدمات - الذي شوه العملية السياسي واخرج مجلس النواب عن واجباته الدستورية- ليأتي بدلا منه نائب أو نواب لهم برنامج سياسي واقتصادي متكامل، كما سيساعد هذا النظام الأحزاب الصغيرة على الوجود، ويحد من سيطرة حزب واحد لدورات متتالية، كما انه لايحرم المستقلين من حق الترشح بعيدا عن الأحزاب، على ان يبقوا بعد نجاحهم مستقلين عن الكتل الحزبية في البرلمان.
4- إصلاح هياكل الأحزاب السياسية وتطوير العمل الحزبي بما يشجع على دخول الكفاءات والعقول إلى اطر هذه الأحزاب للانتقال الى تطوير رؤى وبرامج واضحة للتعاطي مع تحديات الواقع. وهنا ننوه الى ان التعدد الحزبي المبالغ فيه قد يؤدي الى تشظي الحياة السياسية وتفتيت التيارات السياسية، فضلا عن تفاقم حدة التنافس السياسي، ومن هنا فان الانتقال الى تشكيل ائتلافات سياسية بين الأحزاب التي تنتمي الى تيار سياسي واحد سيوجد احزابا كبيرة لها حضور سياسي حقيقي قوي ومؤثر.
وهكذا سيقدم الأردن نموذجا لحالة إصلاحية عربية مميزة تجنح إلى الإصلاح تحت ضغط الاحتجاجات السلمية دون ان يكون العنف مطروحا بين طرفي الدولة ،السلطة والمؤسسة الملكية من جهة، والشعب وفئاته وقواه السياسية والاجتماعية والثقافية من ناحية اخرى.
abuwasfi@yahoo.com