الشباب بين ثقافة العنف وثقافة الحوار

عدد الرسائل : 8 تاريخ التسجيل : 12/11/2008

الشباب بين ثقافة العنف وثقافة الحوار
د فيصل الغويين / مشرف تربوي/مديرية تربية لواء ذيبان

abuwasfi@yahoo.com

تستمد ثقافة الأفراد في أي مجتمع مدني مفرداتها من الفرد نفسه ثم أسرته ومدرسته وبيئته الاجتماعية التي يعيش فيها. وتعد ظاهرة العنف مسالة نسبية متعددة الأوجه على مستوى الأسباب والدوافع. ولا يمكن تفسير هذه الظاهرة وفق عامل واحد؛ لكونها ظاهرة مركبة ومتعددة المتغيرات، فهناك مجموعة من العوامل تتفاعل فيما بينها وتؤثر سلباً أو إيجاباً لتفسير العنف ومن أهم هذه الأسباب:

1- إنَ غياب ثقافة الحوار في مجتمعنا هو الذي يؤدي إلى ترسيخ ثقافة العنف وعشوائية الاتجاهات في شخصية الفرد بما يكرس العنف والتزمت، وحتى إن وجدت بعض القنوات الحوارية فهي لا تتعدى الجانب الظاهري أو الإعلامي دون الإيمان بفلسفة الحوار طريقا للخلاص من ظاهرة العنف والتمرد، وهذا بدوره يؤدي إلى تعزيز فكرة الشعور بالظلم وتكريس مشاعر الإحباط والسخط وتؤدي بالتالي إلى العنف.

2- إخفاقات التنمية وغياب التوزيع العادل لمكتسباتها وعدم تطبيق القوانين، والتداخل الطبقي بين الأفراد على حساب الكفاءة والأداء الصحيح.

3- الضعف الواضح في المؤسسات التربوية والهيئات التعليمية والنشاطات الأكاديمية، وقصور المناهج التعليمية ووسائلها التي تعتمد في معظمها على التلقين والحفظ والتكرار، بعيداً عن تطوير القدرات الإبداعية والابتكارية لدى الطلاب، وصولا إلى عقل مبدع. إنً هذه النظم التعليمية التي ما زالت تعيش في الماضي السحيق، تعمل على تغييب ممارسة الطالب لحريته وعقله حتى لا يرى الواقع بشكله الصحيح، بما يعبد الطريق له صالحاً في تربية اتجاهات اللجوء إلى العنف، بتأثير الكبت والقمع قي عالم يشهد انفتاحاً على مستوى الفضائيات والمعلوماتية.

4- ثنائية الفكر المتمثلة في رؤية الواقع المحصور بين مفهومين على طرفي متصل، العنف ولا ثالث لهما، مثل الحق والباطل، الحرام والحلال، الصواب والخطأ. ان هذا النوع من التفكير الخالي من المرونة، يعد من ابرز أسباب نشوء العنف، ذلك الذي يتصل بالتعصب والتزمت والتطرف الفكري والسلوكي، وهو من أهم الأسباب الفكرية الكامنة وراء ظاهرة العنف.

5- التعصب في المعتقد، ويعد من أخطر أنواع التطرف الذي يؤدي إلى سلسلة حافلة بالأخطاء على مستوى السلوك والتفكير، مع التزمت بإعطاء المبررات الشرعية أو الأغطية الرسمية لتكريس ظاهرة العنف تحت ذريعة المعتقد أو المذهب أو الحزب أو التجمع.

6- انهيار المثل والقيم الحضارية في عقل الطالب أو الشاب بما يؤدي إلى زعزعة فكرية وايدولوجية يضطرب فيها العقل وتتصدع النفس جنباً إلى جنب مع اهتزاز القيم والمعايير وتزايد الإحساس بالفراغ الفكري والثقافي، يمثل القوة الدافعة وراء هروب هؤلاء الشباب إلى مجتمع الرفض والتمرد والعنف بأشكاله المختلفة للحصول على الأمان، كحاجة نفسية وعلى الهوية كحاجة معنوية والاحتجاج ضد الواقع الساكن الذي يخلو من التنوير والتجديد والتغيير.

7- غياب النقد الذاتي الذي يصل أحياناً إلى درجة التحريم من قبل الآباء والأمهات والمعلمين وغيرهم، وذلك عندما يحجب عن الشاب أو الطالب فرصة التحاور والمناقشة النقدية، ومواجهة هذه الآليات بحساسية وانفعال واستخدام للنفوذ والسيطرة بحكم الموقع الاجتماعي بما يؤدي إلى القمع الذي يتراكم في الشعور واللاشعور ويؤدي إلى العنف والتمرد والمواجهة.

ثقافة الحوار

وهي ثقافة مطلوبة من الجميع ومرغوبة من الجميع وعلى مختلف الفئات العمرية أو الثقافية أو الاجتماعية؛ لان عدم الاعتراف بالحوار وغلق جميع قنوات التعبير عن الرأي يكون حافزاً لتنمية العنف لدى فئات عريضة من المجتمع. ومن جهة أخرى فانً الكثير من دعاة العنف والتطرف والتزمت يفتقدون في الحقيقة منهجية الحوار بما يؤدي إلى التشكيك بمنطلقاتهم الفكرية وضعف ولائهم وانتمائهم لأوطانهم، مما يدفعهم إلى الانضواء تحت مظلة العمل السري والسلوك القمعي، وذلك لعدم قدرتهم على طرح البدائل الصحيحة والمقبولة للإصلاح السياسي، أو مواجهة المشاكل الاقتصادية والاجتماعية والسياسية المتراكمة.

ولا بد من التأكيد على حقيقة أساسية، وهي أنً فتح قنوات الحوار والتخطيط لحوار جاد ومؤثر ومنتج على مختلف المستويات التربوية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية أمر ايجابي ومطلوب، فهو أكثر راحة وهدوء وشفافية من الناحية السيكولوجية، وهو يسحب دعاة التعصب والانغلاق إلى خيارات التفكير بصوت عال، ويضعهم تحت منطق المصارحة والنقد البناء.

إنً أي حوار في هذا العالم وأياً كان شكله أو أطرافه يقتضي الاختلاف بين رأيين يمثلان طرفا الحوار، إذ أن غياب الاختلاف بين رأيين يمثلا طرفا الحوار، بين الرأي والرأي الآخر معناه الاتفاق الكامل بين الرأيين، وبالتالي لا حاجة للحوار أصلا، حيث يحل محله " التحاور" وهو تبادل الآراء المتفق عليها من باب المؤانسة والتحاب.

ويحتاج الحوار الناجح والمؤثر إلى عدد من المقومات الأساسية التي تجعل منه فاعلاً وجدياً، وتتفاعل هذه المقومات فيما بينها بشكل تكاملي لتشكل في النهاية الحوار الايجابي. إنً الحكمة والعقلانية والتروي والمعرفة وبعد النظر أمور يتطلبها طبيعة الحوار واختلاف الآراء بين اثنين أو أكثر، بالإضافة إلى الصراحة والمصداقية في الطرح بعيدا عن الذات والنرجسية الزائدة. ان توفر هذه المقومات ولو بقدر نسبي معقول في أي حوار تضفي عليه المشروعية والاستمرارية والنجاح، وهذا يحتاج إلى توعية جادة مكثفة من قبل التربويين والمفكرين ووسائل الإعلام، وعلى كل المستويات وبخاصة جيل الشباب والطلبة لأنهم بناة الغد وقادة المستقبل.

تحياتي لك دكتور فيصل وشكراً على هذا الطرح الجيد ولكن اسمح لي ان اعلق :
لا يمكن ان تسمو بمجتمع الى ثقافة الحوار في ضل غياب الخبز .. نعم يا سيدي عندما يجوع الانسان فلا تطلب منه حواراً ولا نقاش لان الجوع يحول الانسان الى وحش لا يقتنع الا بالخبز ... هناك وحسب تصنيفات علماء النفس وعلماء الاجتماع حاجات اساسية لابد من توفيرها للانسان لكي يخرج من الطبيعة الحيوانية الى الطبيعة الانسانية فلا يمكن لعقل ان يفكر ومعدته خاوية لذلك قبل الحوار وثقافة الحوار يجب ان يؤمن الانسان االاساسيات التي تكفل له قدرته على التفكر ... ولا تنسى الخبز !!! لان كل صوت يمكنك ان تخرسه الا صوت المعدة فهو فوق كل الاصوات
شكراً