استيلاء النقص على جملة البشر

سلام الله على من اتبع الهدى

سلام على الأنقياء الذين تسامت أرواحهم إلى العلياء وخلت سرائرهم من آفات النفس الأمارة بالسوء والرياء

أترك هذه السطور المتواضعة في واحة إبداعكم وبين مواضيعكم لتكتسب من ضياء حروفكم بعض من النور الذي قد يجلي عتمتها .......
عالم كبير مليء بالمعلومات المتراكمة المرتبة ترتيباً زمنياً ومعنوياً ونفسياً وعاطفياً داخل كل إنسان...تلتقطها مجموعة من الحواس متصلة مع صناديق مقفلة أودع الله بها سرّ من أسرار خلقه ووضعها فوق قاماتنا لنسير وفق هداها، تجتهد الأخيرة في التحليل والترميز والتشفير والتصنيف لهذا الكم الهائل من المعلومات الواردة كل يوم إلى أدمغتنا ...مشاهدٌ كثيرة ترتسم في مخيلتنا أو في عوالمنا التي نشكلها كيفما نشاء...لكن المفارقة التي لا تلفت انتباه الكثيرين أن تلك المشاهد في كثير من الأحيان تحتاج لجزء من الحقيقة غيّبها قصورنا البشري عن إدراك ما لم يدرك ..فالإنسان خلق عجولا وجُّبِل على النقص وهذا لا يستثنى منه أحد إلاّ من اصطفاهم الله ...فالمثالية ضربٌ من المستحيل لا يدّعيه إلاّ جاهلٌ أحمق. يقول الأصفهاني : ” "إني رأيتُ أنه لا يكتب إنسان كتابًا في يومه إلا قال في غده: لو غير هذا لكان أحسن ولو زيد كذا لكان يستحسن ولو قدم هذا لكان أفضل ولو ترك هذا لكان أجمل. وهذا من أعظم العبر وهو دليل على استيلاء النقص على جملة البشر". “. من البديهي أن نحكم على الظاهر فيما نراه من مشاهد أو صور أو مواقف نختبرها ونميزها أو نصادفها ، لأن هذا ما نملكه فعليّاً من معلومات وهذا ما استطاعت حواسنا إدراكه أو هذا ما وصلنا..ولكن هل توقفنا للحظة لنسأل أنفسنا ..هل اكتمل المشهد واتضحت معالمه لنصفه على حقيقته ؟؟ أحياناً يكون الحكم على الظواهر من الأمور يعطي حقائق مقلوبة تماماً ...ولنا في قصة موسى والخضر عليهما السلام عبرة وعظة ، يقول عزّ من قائل في ذكره الحكيم : {فَانطَلَقَا حَتَّى إِذَا رَكِبَا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَهَا قَالَ أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً إِمْراً } الكهف (71) أعود للإشارة إلى جزئية تحليل المعلومات الواردة لنا عبر الحواس والتي تستند إلى العقل والعاطفة وإلى فلاتر ضخمة تكونت من تراكم الخبرات والمدركات السابقة ترشح المعلومة من بين طياتها لتخرج على شكل معلومة منقحة ومصطبغة بنكهة ذاتية تعتمد على أدوات التحليل والتفسير التي نمتلكها .. وإذا أردنا أن نسقط هذه الصورة على ذهنية الإنسان العربي بشكل عام نجد أن العرب اشتهروا منذ القدم على أنهم قوم عاطفيون تسيّرهم العاطفة الشعورية على اختلاف مظاهرها من غضب وحزن فرحٍ ومسرّة ودّ وكره وكبرياء وفزعة وأنفه... وغيرها من المركبات الشعورية التي جعلت المشاهد والصور والتفسيرات والمظاهر تميل إلى العاطفة وغالبية قراراتهم تسيّرها العاطفة بعيداً عن الحسابات العقلانية التي تعتمد على الدوافع والنتائج والتخطيط والمراجعة والتصحيح وقد تكون هذه من أسباب تأخرنا في هذا الزمان...حقبة زمنية واحدة في تاريخ العرب أحدثت فرقاً جوهرياً جعلهم يصعدون في سلم الحضارة بشكل مثير كالحصان الأسود وهو إشراقة الإسلام الذي لأول مرّة جعل للعرب مكانة في الخارطة الحضارية العالمية لدعوته للكثير من الأمور التي أعادت برمجة عقول العرب ليصبحوا فاعلين ومنجزين ليصلوا إلى نقطة الاتزان بين العقل والعاطفة وليكون العلم والمعرفة مشعل النور الذي يضيء طريقهم، ومن تلك الأمور التي جاء بها الإسلام ونسيناها في عصر ضعفنا وبعدنا عن الدين أننا لا نأمر بالمعروف وننهى عن المنكر وأننا نطلق الاحكام جزافاً ولا نتريث ونفكر ونعقل ونتوكل، وأننا لم نعد لا يأخذنا في الحق لومة لائم ، كما أننا في الغالب لا نرى أن مصلحة الجماعة كمصلحة الفرد ، ولا نعي أننا بشر نخطأ ونصيب ، وأحياناً نلقي بإخواننا في غياهب الجب لنتسيد اللحظة التي ما هي إلاّ ومضة عابرة سرعان ما تتلاشى في غمرة حقيقة ثابتة أننا راحلون لا بد راحلون ولن يبقى خلفنا إلاّ عملنا الطيب الذي لا يشوبه غاية شخصية أو رغائب دنيوية. الكيّس الفَطِن من استطاع إدراك جزءً من ملامحِ الحقيقة الغائبة وإن غابت فثمّة قراءات ومؤشرات تستجليها العقولُ التي تجاوزت المظاهر والحواس المُدْرَكة .. دمتم بحفظ الرحمن